السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وآله وصحبه أجمعين ..
يقول الله تبارك وتعالى (ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) التغابن11 ــ
هداية القلب أساس كل هداية ، ومبدأ كل توفيق ، وأصل كل عمر ، ورأس كل فعل،
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "وإن في القلب مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب"
فصلاح قلبك سعادتك في الدنيا والآخرة ، وفسادها هلاك محقق لايعلم مداه إلا
الله عز وجل ،يقول عز وجل(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او ألقى السمع وهوشهيد ) "ق37 "
ولكل مخلوق قلب ، ولكنهما قلبان :قلب حي، نابض بالنور مشرق الإيمان ،
ممتلئ باليقين ، عامر بالتقوى ، وقلب ميت مندثر سقيم فيه كل خراب ودمار...
يقول سبحانه وتعالى عن قلوب المعرضين
(في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) "البقرة 10 " وقال تعالى (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا مايؤمنون) "البقرة 88 "
وقال سبحانه (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) "محمد 24 "
وقال عنهم (وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر) " فصلت 5 "
فالقلوب تمرض ، ويطبع عليها، وتقفل وتموت ..
إن قلوب أعداء الله عز وجل معهم في صدورهم ،لكن لهم قلوب لايقهون بها ،
لذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام كما صح عنه : "يامقلب القلوب ثبت قلبي
على دينك " رواه الترمذي "
قلـــــــــــــــب المــــــــــؤمـــــــــــــن
يصوم في رمضان وغيره وصيام القلب يكون بتفريغه من المادة الفاسدة ومن
شركيات مهلكة ،ومن إعتقاد باطل، ومن وساوس سيئة، ومن نوايا خبيثة ،
ومن خطرات موحشة ..
قلـــــــــــــــب المــــــــــــؤمـــــــــــــ ـــــــن
عامر بحب الله ، ويعرف ربه بأسمائه وصفاته ، كما وصف سبحانه وتعالى
نفسه فهذا القلب يطالع بعين البصيرة سطور الأسماء والصفات ، وصفحات
صنع الله في الكائنات ، ودفاتر إبداع الله في المخلوقات
وكتاب الفضا ء أقرأ فيه ** صورا ماقرأتها في كتابي
قلـــــــــــــــــــــب المــــــــــــــــــؤمـــــــ ـــــــــــن
فيه نور ساطع وهاج لايبقى معه ظلمة ، نور الرسالة الخالدة ، والتعاليم
السماوية ،والتشريع الرباني ، يضاف هذا إلى نور الفطرة التي فطر الله عليها
العباد، فيجتمع نوران عظيمان،
(نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم ) "النور 35 "
قلـــــــــــــــــــــــب المـــــــــــــــؤ مــــــــــــــــــــن
يزهر كالصباح ، ويضئ كالشمس، ويلمع كالفجر ، يزداد قلب المؤمــن من
سماع الآيات إيمانا ،ومن التفكر يقينا، ومن الإعتبار هداية..
قلـــــــــــــــــــــــــب المــــــــــــــــــؤ مـــــــــــــن
يصوم من الكبر ، لأنه يفطر القلب ،فلا يسكن الكبر قلب المؤمن ،لأنه الحرام ،
والكبر خيمته ورواقه ، ومنزله في القلب ،اصبح صاحب هذا القلب مريضا
سفيها، وسقيما أحمق، ومعتوها لعانا،..يقول سبحانه كما في الحديث القدسي
(الكبرياء ردائي ،والعظمة إزاري، من نازعني فيهما عذبته )رواه أحمد وغيره
،وهو عند مسلم بلفظ آخر..
وعنه عليه الصلاة والسلام انه قال :"من تكبر على الله وضعه ،ومن تواضع لله رفعه"
وقلــــــــــــــب المــــــــــــــــــؤ مـــــــــــــــــــن
يصوم عن العجب، والعجب تصور الإنسان كمال نفسه ، وأنه أفضل من غيره،
وأن عنده من المحاسن ماليس عند الآخرين، وهذا هو الهلاك بعينه..
صح عنه عليه الصلاة والسلام انه قال :"ثلاث مهلكات:اعجاب المرء بنفسه،
وشح مطاع ، وهوى متبع "رواه البزار وحسنه الألباني
ودواء هذا العجب النظر إلى عيب النفس وكثرة التقصير ،وآلاف السيئات
والخطايا التي فعلها العبد ، واقترفها ثم نسيها وعلمها عند ربي في كتاب لايضل ربي ولا ينسى ،
وقلـــــــــــــــــــــــــب المــــــــــــــــــؤمـــــــ ــــــــــــن
يصوم عن الحسد لأن الحسد يحبط الأعمال الصالحة ، ويطفئ نور القلب ،
ويعطل سيره إلى الله تعالى...
يقول سبحانه وتعالى (أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله )النساء 54
ـ ويقول عليه الصلاة والسلام : "لاتحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا، ولا
تناجشوا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض " رواه مسلم"
أخبر عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات عن رجل من أهل الجنة ، "رواه أحمد
والنسائي والبيهقي وغيرهم
فلما سئل ذاك الرجل بم تدخل الجنة ؟ قال :لاأنام وفي قلبي حسد أو حقد أو غش
على مسلم ..فهل من قلب يصوم صيام العارفين
صيام العارفين له حنين **إلى الرحمن رب العالمين
تصوم قلوبهم في كل وقت ** وبالإسحار هم يستغفرون
اللهم أهد قلوبنا إلى صراطك المستقيم،
وثبتها على الإيمان يارب العالمين ..
من مطوية كيف يصوم القلب
عائض القرني
وهل يصوم القلب ؟
سألته: ما الصيام عندك ؟
قال : كف البطن عن الطعام والشراب , والفرج عن قضاء الشهوة .
قلت : هذا أهون الصيام عند السلف .
قال : فكف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام .
قلت : ونسيت القلب ؟
قال : وهل يصوم القلب ؟
قلت : يصوم أعظم صيام .
قال : اشرح لي ذلك .
قلت : صيام القلب بالإعراض عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيوية ,
وبكفة عما سوى الله بالكلية .
قال : وكيف يكون الفطر من هذا الصوم ؟
قلت : يكون بالفكر فيما سوى الله والدار الآخرة , وانشغال القلب بالدنيا إلا دنيا تراد للآخرة .
قال : وهل لذلك أثر من الكتاب والسنة ؟
قلت :
( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ( الشعراء : 88 , 89 )
فعلق النجاة يوم القيامة على سلامة القلوب و إذا سلمت القلوب
سلمت الجوارح , واستقامت على طاعة الله , واجتنبت معصيتة ونواهي.
وقال النبي
( ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد
وإذا فسدت فسد سائر الجسد , ألا وهي القلب " ( متفق علية ) .
فأساس الصلاح والفساد هو صلاح القلوب وفسادها
ولذلك كان إصلاح القلوب وتهذيبها وتطهيرها من أعظم أعمال
الطاعة التي غفل عنها كثير من الناس .
قال أبو تراب النخشبي :
ليس من العبادات شئ أنفع من إصلاح خواطر القلوب .
وقال أحمد بن خضروية :
القلوب أوعية , فإذا امتلأت من الحق ,
أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح ,
و إذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح .
" صفة القلب الصائم "
والقلب الصائم : قلب متحرر من حب الدنيا والتعلق بشهواتها وملذاتها
طلبا للنعيم الأعلى والراحة الدائمة .
قال رابعة : شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله عز وجل , ولو تركوها لجالت في الملكون
ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد .
والقلب الصائم : قلب مشغول بالفكر في الآخرة , والقدوم على الله عز وجل .
قال حادث بن أسد : بلية العبد تعطيل القلب عن فكرة في الآخرة
حينئذ تحدث الغفلة في القلب .
والقلب الصائم : قلب سالم من الأحقاد
والضغائن لا يضمر لأحد من المسلمين غلا ولا شرا ولا حسدا
بل يعفو ويصفح ويغفر ويتسامح , ويحتمل أذى الناس وجهلهم .
وقد سئل ابراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال : " العزلة و
والصمت وترك استماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب
ويهب لمن ظلمة حقة " .
والقلب الصائم : قلب ساكن مخبت متواضع
ليس فية شئ من الكبر والغرور والعلو في الأرض .
قال النبي
" لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال ذرة من كبر " ( رواة مسلم ) .
والقلب الصائم : قلب مخلص لا يريد غير وجة الله , ولا يطلب إلا رضى الله ,
ولا يلتذ بغير محبة الله وذكرة وشكرة وحسن عبادتة .
قال يحيى بن معاذ : النسك هو العناية بالسرائر
واخراج ما سوى الله عز وجل من القلب .
وقال ضيعم : إن حبة تعالى شغل قلوب محبية
عن التلذذ بمحبة غيرة فليس لهم في الدنيا مع حبة لذة تداني محبتة
ولا يأملون في الآخرة من كرامة , الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجة محبوبهم .
فأين أصحاب هذة القلوب النقية ؟
و أين أرباب تلك الهمم العليّة ؟
ذهبوا والله فهل ترى لهم بقية ؟
" علاج القلوب "
و إذا مرض القلب توجب علاجة ومداوتة حتى يعود إلى حال الصحة والقوة
وعلاج القلوب يكون بأمور منها :
1 ترك الذنوب :
ففي الحديث قال رسول الله
" إن المؤمن إذا أذنب , كانت نكتة سوداء في قلبه
فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبة , و إن زاد زادت حتى تعلو قلبه
فذلك الران الذي ذكر الله عز وجل في كتابه
( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون "
( المطففين )
( رواة الترمذي وقال حسن صحيح ) .
وقال يحيى بن معاذ
سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب فكما لا يجد الجسد لذة الطعام
عند سقمة لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب .
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إمدانها .
وترد الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عيانها .
2 رحمة الخلق :
فقد شكا رجل إلى رسول الله قسوة قلبة
فقال لة " امسح رأس اليتيم و أطعم المساكين " ( رواة أحمد وحسنة الألباني )
وفي رواية قال : " أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟
ارحم اليتيم , وامسح رأسة و أطعمة من طعامك , يلن قلبك وتدرك حاجتك " ( رواة الطبراني )
3 ذكر الله :
: ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم )
( الحج : 35 ) .
وقال رجل للحسن : يا أبا سعيد ! أشكو إليك قسوة في قلبي ! قال : أدنه من الذكر .
4 الدعاء :
فقد كان النبي يقول : " اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا على طاعتك " ( رواة مسلم )
وكان يقول " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ( رواة الترمذي ) .
5 علاجات متفرقة :
سأل رجل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
ما دواء قسوة القلب ؟ فأمرتة بعيادة المرضى وتشيع الجنائز وتوقع الموت .
وشكا ذلك رجل إلى مالك بن دينار فقال :
أدمن الصيام , فإن وجدت قسوة فأطل القيام , فإن وجدت قسوة فأقل الطعام .
وسئل ابن المبارك : ما دواء القلب ؟ فقال : قلة الملاقاة .
وقال عبد الله بن خبيق :
خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات
ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق .
وقال ابراهيم الخواص :
دواء القلوب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل
والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين ** .
" أعياد الصائمين "
قال ابن رجب :
" من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى ويحفظ البطن
وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا ,
فهذا عيد فطرة يوم لقاء ربة وفرحة برؤيتة . كما قيل :
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب .
والعارفون و أهل الأنس صومهم صون القلب عن الأغيار والحجب .*** .
اللهم أرزقنا قلوبا سليمة خالية من كل مايغضبك
وأملاء قلوبا حبا ورحمة وصفاء وتسامحا
ياكريم يا منان